و أي شيء أدركه من أدركه فيه الحرمان ؟ و كم بين من كان حظه منه القبول و الغفران و من كان حظه فيه الخيبة و الخسران ؟ فرب قائم حظه من صيامه السهر و رب صائم حظه من صيامه الجوع و العطش .
كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل و إكماله و إتقانه ثم يهتمون بعد ذلك بالقبول و يخافون من رده و هؤلاء الذين قال تعالى عنهم : ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ) [ المؤمنون ـ 60 ] ، و روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : " كونوا لقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل ، ألم تسمعوا لقول الله عزوجل: ( إنما يتقبل الله من المتقين ) [ المائدة ـ 27 ] .
واعلمي أن لله في كل ليلة عتقاء من النار يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن لله تعالى عند كل فطر عتقاء من النار و ذلك في كل ليلة ) [ رواه أحمد وحسنه الألباني في صحيح الجامع ] ... فيا من أعتقه مولاه من النار ! إياك أن تعود بعد أن صرت حرا إلى رق الأوزار ، أيبعدك مولاك عن النار وأنت تتقرب منها ؟ وينقذك منها وأنت توقع نفسك فيها ولا تحيد عنها ..
فيا أخي ويا أختي .. أيام تمر وأعوام تجرِ مسرعة بالعمر إلى نهايته ، فيا ترى أيعود شهر رمضان على العمر وهو موجود في نشاطه وقوته أو لا يعود وقد عارضه القدر المحتوم بالفناء ؟ إن شهر رمضان أهلّ سعيدا واستقبل حميدا ورحل لكم أو عليكم شهيدا .. فاستغل يا عبد الله رمضان واعتبر ... قد يكون هذا الشهر هو آخر رمضان تصومه في عمرك وحياتك .. فكم من صائم معنا العام الماضي من الرجال والنساء الذين تعرفهم أين هم الآن ؟ إنهم في بطن الأرض ! حيل بينهم وبين ما يشتهون ، كانوا يأملون صيام رمضانات عديدة ، ولكن الأجل باغتهم ، أين هم الآن ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ، و رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له ..... ) [واه الترمذي و صححه الألباني ] ..
أخي الكريم .. أختي الكريمة .. فها هي أبواب الجنة الثمانية في هذا الشهر فتحت ، ونسماتها على قلوب المؤمنين قد نفحت ، ، وأبواب الجحيم كلها مغلقة .. وأبواب التوبة مفتوحة .. فحاسب نفسك قبل أن تحاسب ، واستغفر لذنبك قبل أنت تسأل ، وتب إلى الله توبة نصوحة .. فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( لله أفرح بتوبة أحدكم من أحدكم بضالته إذا وجدها ) [ رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع ] ..